الخامات والمواد
المادة الخام أو المواد الخام (Raw Materials) هي التي يستخدمها الإنسان عن طريق العمل أو الصناعة، أو كمادة بناء لإنشاء المنتجات أو المباني. المواد الخام في الغالب تكون موارد طبيعية مثل النفط والحديد والخشب، وهي في حالة غير مجهزة أو مجهزة بشكل جزئي. مثل: الحديد الخام والنفط الخام. وخامات الذهب والالمنيوم والزجاج وغيرها الكثير من الخامات، وهذه الخامات تشكل الاساس الذي تنشأ منه المواد على اختلاف انواعها وانماطها واستخداماتها في جميع مجالات الحياة الانسانية[1].
أما المواد هي كل ما يمكن أن يوجد في الحياة العامة من مواد قابلة للتصنيع والاستثمار، وبعبارة اخرى هي سبائك الخامات والتي تتضمن خواص محددة لكل منها تبعاً لطبيعة مجال التوظيف او الاستخدام.
ويمكن تصنيف المواد الى مايأتي:
- المواد المعدنية: والتي يمكن تصنيفها إلى:
o المواد اللاحديدية: وهي المعادن التي لا يدخل الحديد في تركيبها. نذكر على سبيل المثال الألمنيوم والنيكل وغيرها .
- المواد اللامعدنية: وهي المواد التي لا تدخل المعادن في تركيبها أو إنها تدخل في التركيب بشكل آخر (اكاسيد أو نترات وغيرها).
- المواد السيراميكية والمواد الزجاجية
- المواد اللدنة: ما يتم تسميته بالبلاستيك
- المواد نصف الناقلة[2].
- المواد الأخرى: الخشب والمطاط وغيرها.
- كما يمكن إضافة المواد المركبة ضمن هذا التصنيف[3].
المواد الذكية:
تعد(المواد الذكية) من أهم مجالات البحث العلمي في الوقت الحاضر، ويقصد بها هي تلك المواد القادرة على التجاوب مع البيئة المحيطة بها، وذلك عن طريق أجهزة دقيقة جداً مدمجة بهذه المواد مثل أجهزة الإحساس والرقاقات الإلكترونية بالغة الضآلة وتتمكن هذه الأجهزة من رصد المتغيرات في البيئة الخارجية، مثل تغير درجة الحرارة أو شدة الضوء، ومن ثم التأثير في المادة الذكية بحيث تنكمش أو تتمدد لتتوافق مع هذه المتغيرات في البيئة، حيث تتميز المواد الذكية بوجود معدات إحساس مجهرية مدمجة بها، تستطيع أن تتأقلم وتستجيب على الفور لأي تغير في البيئة. يمكن استخدام المواد الذكية المتكونة من اللدائن والخزف والزجاج في تصنيع أعضاء اصطناعية للإنسان، والتي لايرفضها الجسم ويمكنها أن تتأقلم مع بقية أعضاء الجسم خاصة في عملية زرع العظام وإنتاج جلد بشري اصطناعي، وتستخدم أيضاً في تصنيع الطائرات، حيث تتمكن من أداء وظائف تشخيص العيوب إن ظهرت، وإصلاحها ذاتيا، وهكذا تحد من حالات العطل والتلف في الطائرات، ويمكن كذلك أن تضاف المواد الذكية عند تشييد المباني، بحيث لا تنهار إذا تعرضت لزلزال، بل تميل فقط ثم تعود إلى حالتها الطبيعية[4].
وخلال السنوات القليلة الماضية من بداية الالف الثالث تم تطوير العشرات من المركبات والسبائك المعدنية عن طريق ما يعرف بنظام المواد الذكية وبالاستعانة بأحدث البرامج الحاسوبية، وقد تم استخدام هذه المواد المتطورة في الكثير من الصناعات المختلفة، وفي مقدمتها صناعة هياكل السيارات. إن هذه الأبحاث والتجارب المكلفة والمعقدة، كان هدفها إنتاج مواد ذكية قابلة للاستخدام في صناعة هياكل السيارات، بحيث تستطيع هذه المواد إصلاح نفسها ذاتيا لدى تعرضها لتأثير خارجي مدمر، وبذلك يعود الهيكل الخارجي إلى ما كان عليه قبل التعرض للضربة أو الصدمة. تمت أولى المحاولات في مختبرات الأبحاث، على ألياف الكربون التركيبية، وهذه الألياف تتميز بالقوة والمتانة وخفة الوزن، إلا انه ثبت لاحقا عدم إمكانية الاعتماد عليها، وذلك بسبب تعرضها المفاجئ للكسر بسبب تراكم تدريجي لعوامل عدة خفية، كالصدوع والتشققات غير المرئية وتغيرات درجة الحرارة بشكل كبير[5].
يقول في هذا الصدد الباحث سكوت وايت من جامعة الينوي الأمريكية، في مقال نشر في مجلة Popular Science، ماذا لو توصلنا إلى صنع مادة تركيبية قادرة على كشف العيوب فيها وإصلاح نفسها تلقائيا، تماما كما في حالة جسم الإنسان الذي يصلح أنسجته المصابة ذاتيا. لقد عمل الباحث وايت وفريق عمله بشكل مكثف لتحقيق تلك الفكرة وابتكار مادة قادرة على إصلاح نفسها بشكل تلقائي، وأسفرت أبحاثهم عن تطوير مادة تحتوي على ملايين الكبسولات الممتلئة بسائل ترميمي هو من مادة Dicyclopentadiene، هذه الكبسولات لا يتجاوز قطرها 250 جزءا من البوصة ، ولدى تعرض الهيكل الخارجي للسيارة إلى صدمة أو ضربة قوية فإن تلك الكبسولات تتمزق محررة سائل الترميم والذي هو عبارة عن تلك المادة البوليميرية ، عندها تعمل الخاصية الشعرية على سحب السائل إلى مكان الصدع أو الشق، والذي يتصلب في غضون دقائق، وينجم عن ذلك عودة هيكل السيارة إلى ما كان عليه بنسبة 90%. بالطبع هذه الآلية لا يمكن الاعتماد عليها طويلا، حيث أن تكرار عملية الاصطدام والإصلاح الذاتي، تؤدي إلى استهلاك كافة كبسولات الإصلاح الذاتية. من هنا، تواصلت الأبحاث وتم تطوير مواد وسبائك اكثر فاعلية، ففي مختبر كالتش لعلوم المواد تم ابتكار ما عرف بالسبيكة الفقاعية bubbly، والتي تتكون من البلاديوم والنيكل والنحاس والفسفور، وتتميز بخفة وزنها ومتانتها العالية وقدرتها على استعادة شكلها الأصلي ذاتيا بعد تعرضها لضربة أو صدمة قوية تسببت في انبعاجها أو تشوهها. إن ابتكار مثل هذه السبيكة يعتبر في الواقع إنجازا علميا فريدا ومتميزا للغاية، تعلق على ذلك الباحثة كريس فيزي وزميلها غريغ ويلش اللذين طورا هذه السبيكة، بقولهما إن سبيكتهم الفقاعية لن تبقي هياكل السيارات كما هي عليه[6] الآن، بل ستدشن عهدا جديدا في عالم صناعة السيارات سوف نشهده خلال السنوات القليلة القادمة[7].
كما ابتكر فريق من الباحثين الروس بطارية جديدة تعمل عن طريق شحنها بالطاقة الضوئية التي تنتجها الشمس وأيضاً النجوم. وتعد هذه البطارية الجديدة الوحيدة في العالم القادرة على العمل 24ساعة متواصلة وبفاعلية مضاعفة عن سابقتها حيث تستمد طاقتها الضوئية من الألواح الشمسية الطبيعية. أعتمدت بشكل مباشر على تطوير خواص المواد المستخدمة في صناعتها.
المواد النانوية:
تكنولوجيا النانو هي تكنولوجيا مستحدثة، وكلمة النانو مشتقة من كلمة نانوس الاغريقية وتعني القزم، ونستخدمها اليوم للدلالة على واحد من المليار من المتر، ويتعامل العلماء والمهندسون مع المادة في هذا المقياس على مستوى دقيق جدا أي على مستوى الذرات والجزيئيات النانونية، ليس لبناء أجهزة نانونية فحسب، بل ايجاد مواد جديدة ذات ترتيبات وتجمعات وخصائص مبتكرة وغير موجودة طبيعيا، تفتح آفاقا جديدة في العلوم والتكنولوجيا، وتؤدي الى تطبيقات حياتية مختلفة، بالاضافة الى امكانية تحريك الذرات والجزيئيات بدقة لاحداث تفاعلات كيماوية، مما يؤدي الى تصنيع أو تعديل بعض الجزيئيات الاحيائية المهمة[8]. وتتمثل قاعدة التقنيات النانوية العلمية في مسألتين:
1. بناء المواد بدقة من لبنات صغيرة، والحرص على مرحلة الصغر يؤدي الى مادة خالية من الشوائب ومستوى أعلى جدا من الجودة والتشغيل.
2. أن خصائص المواد قد تتغير بصورة مدهشة عندما تتجزأ الى قطع أصغر وأصغر، وخصوصا عند الوصول الى مقياس النانو أو أقل، عندها قد تبدأ الحبيبات النانونية اظهار خصائص غير متوقعة ولم تعرف من قبل أى غير موجودة في خصائص المادة الأم[9].
وعلى سبيل المثال ما اكتشف في مختبر تابع لجامعة الينوي الأميركية، انه اذا ما أخذنا مادة السيليكون المعتمة جدا والتي هي المكون الرئيسي للأرض والرمال وكل الأجسام في الكون، وعملنا منها حبيبة بقطر واحد نانو، فنصبح نراها تتألق بلون أزرق شديد جدا تحت تأثير الضوء البنفسجي، وكأننا حولنا الرمل الى مادة متألقة.
لم تعد تطبيقات تقنيات النانو خيالا علميا، بل أصبحت حقيقة واقعة، فتبشر مواد النانو بثورة صناعية جديدة، ويتوقع أن تدخل تطبيقاتها في كل ميادين الحياة مثل الطب والزراعة والغذاء والبيئة والالكترونيات والكومبيوترات، ومن المتوقع أن تؤدي الى تصغير الأجهزة وتقليل سعرها واحتياجاتها من طاقات التشغيل، مما يؤدي الى تحديث المزيد من الأجهزة الالكترونية والألعاب الصغيرة[10].
العالم الآن بصدد قفزة عملاقة من مختبرات الأبحاث الى الأسواق ومن ثم الى المنازل، فما زالت أعداد الشركات النانونية في ازدياد متسارع في كل الميادين، فهناك شركات تسوق المواد النانونية مثل حبيبات الذهب أو السيليكون أو الكادميوم كمواد أو تمزجها في مواد أخرى لتحسين فاعلياتها ولو على مستوى قليل في المئة لتكسب التنافس. كما أن هناك شركات الآن تسوق أقمشة فيها مواد نانونية للعزل الحراري أو لمنع التصاق الأوساخ أو الماء، وهناك شركات أخرى تسوق معدات رياضية فيها مواد نانونية، وشركات أخرى تسوق الزجاج المطلي بالمواد النانونية لتمنع تبللها أو التصاق الأوساخ عليها، وشركات تسوق مرشحات للهواء، فيها حبيبات نانونية مطهرة[11].
وهناك ـتطبيقات للمواد النانوية في الطب والعلاج كثيرة ومتعددة، ويتركز أهمها في مجال تشخيص الأمراض وايجاد الأدوية المناسبة الفعالة. وفي تشخيص الأمراض هناك تطبيقات مهمة مرتقبة لاستعمال الحبيبات النانونية المضيئة، مثل حبيبات السليكون أو الكادميوم ككاشف ومعلم ضوئي للمواد الحيوية، وما يرجى من هذه الحبيبات هو ايجاد حل للمساوئ والمشاكل التي تعترض الطرق المستعملة حاليا للتشخيص باستخدام الأصبغة العضوية، ويتوقع اذا ما حلت الحبيبات محل الأصبغة أن تعطي حساسية وسلامة وقدرة أعلى في التفريق بين المواد الحيوية، وأيضا سرعة أعلى في اعطاء النتيجة وأخذ القرار، وهو ما سيقلل من الوقت والجهد والتكلفة. للخيال العلمي دور مهم في اثارة وتنشيط خيال العلماء وتهيئة أذهانهم للبحث العلمي والسير في اتجاه معين لتحقيق اكتشافات علمية وتكنولوجية[12]. والخيال العلمي هو القوة المبدعة وراء كل انجاز وابتكار، وبخاصة في العلوم والتكنولوجيا المتعلقة بالمواد، فعلى سبيل المثال تنبأ كاتب الخيال العلمي الأميركي ايزاك اسيموف Isaac Asimov في روايته «الرحلة الخيالية» Fantastic Voyage عام 1966، بموضوع النانوتكنولوجي، وبخاصة طب النانو Nano medicine كما تساءل عالم الفيزياء الأميركي ريتشارد فاينمان Richard Feynman في محاضرة له عام 1959، «ماذا سيحدث اذا أصبح بمقدور العلماء ترتيب الذرات واحدة واحدة بالطريقة التي يريدونها»، وبالفعل انتقل مفهومه العلمي من الخيال الى الواقع، فقد قام بعض العلماء في مختبر أوك ريدج القومي الأميركي Oak Ridge National Laboratory عام 1976، بالكشف عن الذرات المنفردة ومعالجتها في الحالة الذرية مقارنة بالسطوح، وهو مايعني ترجمة الخيال العلمي الذي حلم به فاينمان الى واقع ملموس من خلال رصد ذرة منفردة من بين عشرة بلايين مليار ذرة والتعرف على هويتها، وكان ذلك يحدث لأول مرة في تاريخ العلم[13].
عموماً ان تطوير امكانيات المواد هو حالة دينامية مستمرة للوصول الى افضل الحلول في مجالات توظيفها بمختلف القطاعات الصناعية وفي مقدمها مجال تصميم المنتجات الصناعية على اختلافها.